نشأته وأسرته
هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، ولد بمكة قبل الهجرة بخمس عشرة سنة.
إسلامه : قيل أن معاوية من مسلمة الفتح أي أنه أسلم سنة ( 8 هـ ) [3] ، وقيل أنه أسلم قبيل الفتح [4] ، وفي يوم الفتح كان سنه 23سنة.
وكان بعد إسلامه يكتب بين يدي رسول اللَّه ص ، وفي خلافة أبي بكر ولاه قيادة جيش مدداً لأخيه يزيد بن أبي سفيان وأمره أن يلحق به فكان غازياً تحت إمرة أخيه وكان على مقدمته في فتح مدن صيدا وعرقه وجبيل وبيروت وهي سواحل دمشق ثم ولاه عمر ولاية الأردن« ولما توفي يزيد في طاعون عمواس ولاه عمر بن الخطاب عمل يزيد على دمشق وما معها« وفي عهد عثمان جمع لمعاوية الشام كلها فكان ولاة أمصارها تحت إمره، وما زال والياً حتى استشهد عثمان بن عفان وبويع علي بالمدينة فرأى أن لا يبايعه لأنه اتهمه بالهوادة في أمر عثمان وإيواء قتلته في جيشه وبايعه أهل الشام على المطالبة بدم عثمان وكان وراء ذلك أن حاربه علي بن أبي طالب في صفين وانتهت الموقعة بينهم بالتحكيم فلما اجتمع الحكمان واتفقا على خلع علي ومعاوية من الخلافة وأن يكون أمر المسلمين شوري ينتخبون لهم من يصلح لإمامتهم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة فصار معاوية إمام أهل الشام وعلي إمام أهل العراق وما زال الخلاف محتدماً بينهما حتى قتل علي بن أبي طالب وسلم ابنه الحسن بن علي الخلافة إلى معاوية، وحينئذ اجتمع على بيعة معاوية أهل العراق والشام وسمي ذلك العام الحادي والأربعون من الهجرة عام الجماعة لاتفاق كلمة المسلمين بعد الفرقة وبذلك يكون ابتداء خلافة معاوية الخلافة العامة في ربيع الأول سنة 41.
ولايته
قاتل معاوية المرتدين في معركة اليمامة وقيل أنّه ممن قتل مسيلمة الكذاب، ثم أرسله أبو بكر مع أخيه يزيد لفتح الشام. ولّاه الخليفة عمر بن الخطاب الشام سنة 21 هـ بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم أقّره الخليفة عثمان بن عفان على الولاية، وبعد موت عثمان سنة 35هـ لم يبايع معاوية الخليفة عليًّ بن أبي طالب، حتّى يقيم عليّ الحدّ على قاتلي عثمان أو يسلمهم له.
ولكن عليًّا رفض مع حقده على أولئك القتلة، وكان السبب في رفضه هو أولاً: يجب دخول كافة الدولة الإسلامية تحت راية الخليفة فيستطيع الخليفة حينها الإمساك بالقتلة المجرمين. ثانياً: هو انتشار وهروب القتلة الحقيقيين. ثالثاً: إدعاء بعض الغوغاء أنهم قتلة ذو النورين عثمان بن عفان تعصّباً للقتلة وحباً فيهم، وهنا لا يستطيع الخليفة قتل من لم يشارك بالجريمة الشنعاء.
معاوية بالشام -مع اعترافه بأحقية خلافة علي وفضله وعلمه وسابقته- مصرّاً على قتل علي لأولئك المجرمين أو تسليمهم له، وحصلت بينهما فتنة استمرت زهاء خمس سنوات، وقعت فيها معركة صفّين سنة 37هـ.
خلافته
بايعه عامّة الناس سنة 41 هـ، بعدما تخلّى أمير المؤمنين الحسن بن علي عن الخلافة، فسميّ هذا العام عام الجماعة، لاجتماع كلمة المسلمين فيه.
واستمر معاوية في الملك حتّى وفاته سنة 60 هـ، فكان بذلك أميراً (20 عامًا) وخليفةً (20 عاماً) أخرى.
معاوية هو أول خليفة سقط من تصنيف الخلفاء الراشدين، وهو أول من أورث الخلافة في الإسلام وجعلها لابنه من بعده، فكان من بعده شأن المسلمين كما قيل: "أتعيدونها هرقلية إذا ذهب هرقل جاء هرقل".
طريقة انتخاب معاوية:
لم ينتخب معاوية للخلافة انتخاباً عاماً يعني من جميع أهل الحل والعقد من المسلمين وإنما انتخبه أهل الشام للخلافة بعد صدور حكم الحكمين، ولا يعتبره التاريخ بذلك خليفة، فلما قتل علي بن أبي طالب وبايع جند العراق ابنه الحسن رأى من مصلحة المسلمين أن يبايع معاوية ويسلم الأمر إليه، فبايعه في ربيع الأول سنة 41 فبيعته اختيار من أهل الشام وبطريق الغلبة والقهر من أهل العراق، إلا أنها انتهت في الآخر بالرضا عن معاوية والتسليم له في جميع الأمة ما عدا الخوارج.
الفتوحات الإسلامية في عهده
وقد كانت الفتوحات الإسلامية استمرت في عهد أبوبكر وعمر وعثمان ثم توقفت في عهد علي بن أبي طالب ثم بعد تولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة فإنه استأنف الفتوحات الإسلامية ، في عهد معاوية بن أبي سفيان اتسعت رقعة بلاد المسلمين جهة بلاد الروم ، وبلاد السند ، وكابل ، والأهواز ، وما وراء النهر ، وشمال أفريقيا ، وقد أنشأ أول أسطول حربي وفتح به قبرص وصقلية .
استطاع معاوية أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد، وقد كان لجزيرة أرواد أهمية خاصة لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع 54 ـ 60 هـ قاعدة لعملياته الحربية، وذلك أن معاوية أعد أسطولاً ضخمًا وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية, وظل مرابطًا أمام أسوارها من سنة 54 هـ إلى سنة 60 هـ، وكانت هذه الأساطيل تنقل الجنود من هذه الجزيرة إلى البر لمحاصرة أسوار القسطنطينية، وقد أرهق هذا الحصار البري والبحري والبيزنطيين كما أنزل المسلمون بالروم خسائر فادحة، وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع المسلمون فتح القسطنطينية.
ومن أجل بناء أسطول إسلامي بحري قوي، أقام معاوية دارًا لصناعة السفن البحرية في جزيرة الروضة بمصر عام 54 هـ. كما نفذ معاوية خطة لنقل أعداد من العرب المسلمين إلى الجزر في البحر الأبيض المتوسط لحمايتها ونشر الإسلام على ربوعها.فتم نزول المسلمين بصقلية عام 48هـ، واستطاع فضالة بن عبيد الأنصاري فتح جزيرة (جربا) عام 49هـ وقد سار إليها على رأس شاتية في ذلك العام.
حالة الأمة عند استلام معاوية الأمر:
تولى معاوية أمر الأمة، وهي أقسام ثلاثة:
القسم الأول: شيعة بني أمية من أهل الشام والجزيرة ومن غيرهم في سائر الأمصار الإسلامية.
القسم الثاني: شيعة علي بن أبي طالب وهم الذين كانوا يحبونه ويرون أنه أحق بالأمر من معاوية وغيره وأن أعاقبه أحق بولاية أمر المسلمين من غيرهم ومعظمهم هؤلاء كان ببلاد العراق وقليل منهم بمصر.
القسم الثالث: الخوارج وهم أعداء الفريقين يستحلون دماء مخالفتهم ويرونهم مارقين من الدين، وهم أشداء الشكيمة متفانون فيما يعتقدون، يرون أن أول واجب عليهم قتال معاوية ومن تبعه وقتال شيعة علي لأن كلا قد ألحد على زعمهم في الدين ومع ما بينهم من هذا التباين كانت أمة متمتعة بصفة الشجاعة والإقدام، ومثل هذه الأمة تحتاج لسياسة حكيمة في إدارة شؤونها وإفاضة ثوب من الأمن عليها، أما معاوية نفسه فلم يكن أحد أوفر منه يداً في السياسة، صانع رؤس العرب وقروم ومضر بالأعضاء والاحتمال والصبر على الأذى والمكروه، وكانت غايته في الحلم لا تدرك وعصابته فيه لا تنزع ومرقاته فيه نزل عنها الأقدام. كان الذي يهم معاوية ويقلقه أمر الخوارج لأنهم قوم قلما ينفع معهم حسن السياسة لأنهم قوم غلو في الدين غلواً عظيماً وفهموا كثيراً منه على غير وجهه، ففرقوا كلمة الأمة ورأوا من واجبهم استعراض الأنفس وأخذ الأموال. ولنبدأ بذكر أخبارهم لبيان تفاصيل أحوالهم.
المحرر:الصاعقة